التــعريف بمــنطقة الســواحلية:
تقع بلدية السواحلية بولاية تلمسان مقرها "تونان" أنشئت سنة 1960 لتأخذ إسم بلدية تونان المختلطة حيث جمعت بلديتان سابقتان هما بغاون و الميرة، سميت بلدية السواحلية بعد الإستقلال نسبة إلى قبيلة السواحلية التي وجدت قبل 1830 و التي تعني أنها على ساحل البحر.
كانت هذه القبيلة تمتد من تراة شرقا إلى مسيردة غربا إلى جبالة جنوبا .و هناك مجريان للمياه كانا يمثلان الحدود الطبيعية الشرقية و الغربية و هما واد غزوانة بالغزوات و واد الكواردة شرق جبل زندل بمسيردة.
تحتل منطقة السواحلية إقليما متميزا لها حدود مع ست بلديـات هي:
الغزوات،تيانت،جبالة،السواني،باب العسة،سوق الثلاثاء،تمتد على ساحل طوله 10كلم،تقدر مساحتها بـ 92 كلم²، ذلك ما جعلها تستقطب نزوحا ريفـيا واسعا منذ السبعـيـنات،حيث عرفت توسعـا عمرانيا كبيرا.
و يبلغ عدد سكانها 22131 نسمة حسب إحصائيات (2008) ، إذ تتألف من 48 دشرة منها : مزاورو،الزاويا ،تاولي، بغاون ،سيدي إبراهيم، أولاد عبد الله ، الدار البيضاء ، الصفرة، البخاتة ، بوخنايس ، الحوط، أولاد علي ، أولاد حمو ، أولاد دالي ، النخلة، أولاد صالح ...وغيرها.
بداية النضال السياسي لمنطقة السواحلية:
إن المتتبع للتاريخ الثوري لمنطقة السواحلية و استنادا على بعض المصادر التاريخية من أولئك المجاهدين الذين عايشوا الفترة و التي سبقت الثورة التحريرية و خاصة بعد الحرب العالمية الثانية يتفقون عاى أن النضال السياسي كان مبكرا حيث تعود بدايته إلى سنة 1948.
حينها ظهر العمل التنظيمي الذي شمل إنشاء خلايا نضالية خاصة بكل من حزب البيان الجزائري جمعية العلماء المسلمين و هو التيار الإصلاحي (الباديسي ) و الحزب الشيوعي و كذا الحزب الإستقلالي و بروزه على الساحة بصورة جلية .
إلا أن هذا النشاط ظل حبيس السرية التامة مقتصرا على عدد قليل من المناضلين خشية الوقوع بين فكي الإستعمار الغاصب ورغم ذلك كان لهم الدور الفعال في تجسيد عملية التوعية و التحضير النفسي خاصة ، ضرورة مواجهة الإحتلال الفرنسي و على أن ما أخذ بالقوة لا يرجع إلا بالقوة .
تهيكل النضال السياسي بطريقة منظمة ، متكونة من خلية و على رأسها مسؤول ثم مجموعة من الأفواج ، إذ كانت تسير وفق أوامر وطنية مجسدة على أرضية الواقع و ذلك ، بمحاولة غرس الروح الو طنية و الإمتثال للاوامر القيادية و العمل في إطار التنسيق الشامل و ضرورة تربية المواطن على أسس العمل السياسي و ضوابطه وعلى أن تجسيد فكرة الوطن فوق كل اعتبار.
و بعد مرور فترة زمنية ليست بالطويلة،بات الفكر السياسي و العمل النضالي لدى المواطنين بالمنطقة يعرف خطى حثيثة و ظل مستمرا إلى غاية 1953 أين حدثت أزمة الحزب الوطني الديمقراطي و انقسم إلى تيارين : المصاليين و المركزيين في الحين الذي كان من المفروض التحام الجهود و الإتحاد من أجل تكتل واحد و الإلتفاف حول مصلحة البلاد.
إلا أنه و حسب بعض الشهادات لمجاهدي المنطقة أن معظم السكان التزموا الحياد والبقاء بعيدا عن هذا الصراع و الذي كانت ملامحه غير واضحة الرؤية ، رغم وجود رغبة جامحة في بداية العمل المسلح الذي كان حلما لكل مواطن من أجل الحرية و الإستقلال .
النواة الأولى للتحضير للعمل المسلح:
لقد كانت الأزمة السياسية التي شهدها التيار الإستقلالي إنقسامه على نفسه بمثابة البادرة الاولى لتشكيل الخلايا الاساسية ،المؤمنة بفكرى العمل الثوري ، حيث بدأت تقوم بنشاطاتها على مستوى الدواوير من أجل الإعداد لهيكلة التنظيم العسكري و ترسخه في أذهان سكان المنطقة و تهيئة الأجواء من أجل احتضان الثورة بالمنطقة و ضمان سريتها التامة . هذا لله حسب شهادات بعض المجاهدين الذين عايشوا الأحداث عن كثب.
عملية التسليح بالمنطقة :
لقد عرفت الثورة تأخرا في انطلاقها و بكثير من مناطق الوطن و لعل ذلك يرجع إلى قلة الأسلحة حيث أصبحت مشكلة التسليح عائقا كبيرا أمامها و حسب الشهادات الحية المقدمة من طرف مجاهدي المنطقة (منطقة السواحلية) و كذا النواحي المجاورة لها عرفت هي أيضا هذا التأخر،و السبب في ذلك يرجع إلى كونها مركز عبور و قاعدة أساسية للتموين بالأسلحة و الذخيرة.
فبعد دراسة المنطقة و تحديد المراكز المهمة لتعبئة ما يجلبونه من أسلحة.انطلقت عملية تهريب الأسلحة أين كانت تتم في سرية تامة ،حتى أن أولئك الذين شاركوا في عملية نقلها كانوا يجهلون الزمان و المكان اللذان تجلب فيه.و حسب ما ذكر المجاهد *سي سليمان* و الذي كان يعتبر أصغر عنصر شارك في عملية إنزال و تهريب أول شحنة من الأسلحة و بأمر من المجاهد *سايح ميسوم*(الحنصالي) و كان ذلك سنة 1955 ،حيث أعطى هذا الأخير أوامره الدقيقة فتوجهت المجموعة ليلا نحو الأراضي المغربية و بالضبط في المنطقة الشمالية و هي منطقة (أولاد بوعرفة) حيث مكثوا هناك إثنا عشرة يوما إلى حين مجيء الباخرة (ديانا) محملة بالأسلحة و الذخيرة بقيادة القائد اليوغسلافي أين تمت عملية الإفراغ ،ثم نقلت هذه الأسلحة ليلا على البغال إلى مراكز أعدت خصيصا لها في منطقة السواحلية و حسب المجاهد*سي سليمان*:عرف المجاهدون ظروفا عسيرة و مخاضا طويلا أثناء إفراغها،حيث استطاعت المجموعة التسلل رغم الحصار الذي كان مضروبا على المنطقة آن ذاك و بفضل العزيمة القوية ، تمت العملية بنجاح و تم تخزينها في مخابئ آمنة و كان ذلك بدوار(الصفرة).
أهم العمليات العسكرية بالمنطقة:
1- الهجوم الأول على مركز الصبابنة في شهر جانفي 1956 :
لقد إستطاع البطل الحنصالي و بفضل حنكته السياسية و العسكرية إقامة و ربط علاقة مع جنود جزائريين يعملان في صفوف القوات الفرنسية و الذين زودوه بالمعلومات حول المركز ، و بعد قيام المجاهدين بقيادة الشهيد الحنصالي بدراسة مستوفية لهذه المعلومات و ظروف المنطقة قام بإعداد خطة دقيقة من خلالها جاء تنفيد الهجوم على منطقة تواجد الفرنسي ومن يوافقهم من العملاء الجزائريين، و تمت العملية بنجاح باهر حيث أسفرت عن تدمير المركز بكامله و قتل حوالي 40 عسكريا فرنسيا و حوالي 60 جزائريا من العاملين إلى جانبهم و الإستلاء على كل محتويات المركز، هذا ما خلف بلبلة داخل أوساط القوات الفرنسية المتمركزة بالمنطقة مما جعلها تشد أزرها لإعادة حساباتها و العمل على البحث الحثيث لمحاولة القبض على منفذي العملية مستعملة بذلك كل وسائلها القمعية و الوحشية من دبابات و طائرات و جنود مشاة، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل و ذلك ما زاد من عزيمة و إرادة المجاهدين في مضاعفة عملياتهم الجهادية في المنطقة .
2- الهجوم الثاني يوم 12 أبريل سنة 1956:
على الساعة السادسة مساء قام المجاهد سي الزبير و الذي التحق إلى صفوف جيش التحرير رفقة 50 من رفقائه ، قام بنصب كمين في المنعرج الرابط بين قرية بغاون و الغزوات أين استطاع اغتيال 06 من البحرية الفرنسية و حسب مل ذكر أحد جنود المنطقة على أن هذا المكان عرف ثلاث معارك كانت معركة سي زبيرهذه الثانية من نوعها ، أين سبق ذلك إعداد كمين أول، أسفر عن قلب ثلاث شاحنات .
ثم عملية ثالثة بمشاركة 35 جنديا و تم القضاء من خلالها على 14 حركيا و الحصول على قطع من السلاح .
إنــــشاء مــــركز بغــــاون:
بعد العمليات التي شهدتها منطقة السواحلية و دوار بغاون على وجه الخصوص،أصبحت محل أنظار العدو على أنها خطر لابد من إزالته فعمل الإستعمار على القيام بعدة عمليات تمشيطية من أجل البحث عن أولئك المجاهدين الذين أصبحوا يشكلون خطرا على الفرنسيين في المنطقة و على أن إختفاءهم بتلك السهولة لا شك أن وراءه يد خفية من سكان المنطقة تعمل على مساعدتهم و إخفائهم فقامت قوات العدو بمداهمة المنطقة و تفتيشها و تخريب ممتلكات أصحابها و إخراجهم من ديارهم،ثم العمل على تهجيرهم عنوة،فتحولت قرية بغاون إلى قلعة عسكرية و مركزا للإستنطاق
و التعذيب.
ففي 07جوان1956 أمر الجيش الفرنسي بإغلاق المنطقة ومنح سكانها مدة ساعتين من الزمن للرحيل عنها و تركها.
كان اختيارهم لأحد المنازل القديمة بأن يكون مركزا للتعذيب فبنوا بداخله زنزانات و ثبتوا سلاسل
و أغلالا بالجدران و حفروا مطامر بطول الإنسان و أقاموا عجلات العذاب و أحضروا جهازا لتوليد الطاقة الكهربائية من أجل استعماله في تعذيب كل من يصير بقبضتهم،فتنوعت أساليب البطش هناك حتى الموت أو الإقرار ولا زالت آثار هذا المكان قائمة تشهد للأجيال مدى فضاعت الإستعمار الفرنسي و حتى يوضحوا جسامة التضحيات التي قدمها أولئك الشباب حتى نعيش اليوم بسلام،و هذا المقر يحمل اسم *دار العذاب*.
أرجوا أن ينال إعجابكم و نشكر كل من ساهم معي في هذا البحث بـشيــــــــر